لماذا الخادمات وجان جنيه بالذات؟
لان جنيه كان يطمح أن يرا على المسرح ذاته التي يقول عنها " إنني أتردد على المسرح حتى أرى ذاتي على منصته مثلما أعهدها، مثلما لا أجسر على رؤيتها أو تصورها في الواقع".
لماذا الخادمات وجان جنيه بالذات؟
بقلم: صالح عزام، المدير الفني لمسرح النقاب
لان جنيه كان يطمح أن يرا على المسرح ذاته التي يقول عنها " إنني أتردد على المسرح حتى أرى ذاتي على منصته مثلما أعهدها، مثلما لا أجسر على رؤيتها أو تصورها في الواقع".
لان جنيه عندما سئل عن مسرحية "الخادمات" قال " الوجود. المجتمع. القيم – السلطة الرمزية التي يذهب ضحيتها شرفاء هذا ألعالم".
لان جنيه لم يخضع لقانون الموت البطيء, وعذابات الزمن, من غير أن يعي ذلك. لكنه ذهب بعيدا, في عمق التواريخ والوجود, وسرح بنظراته الثاقبة في أشكال الدمار والحزن والألم. ذهب بعيدا, بوعي ومعرفة, أن هناك يصير قانون الموت عبثا, والمحن جراحا لا تندمل, ويصير الزمن, وشوما منغرسة في جلده الذي أرهقته تيارات الريح البري والكلمة اللاتطاق.
لان جنيه كان الرجل المهمش في مجتمع القيم. الرجل الذي يعيش العالم على همش وجوده.
لان مع جنيه الذي ذاق مرارة السجون, وعاش لغة الجدران والحديد, يصير كل شيئا آخر معاكسا.
لان مع جنيه الفرنسي, الذي نبذ فرنسيته ورحل إلى البعيد, صار الغرب بالنسبة إليه جحيما, وفرنسا سجنا كبيرا ورمز للقيم المقيدة. لذلك رحل إلى بلد الغربة والشجر والبحار الثائرة, لكي يتمتع بحريته بعيدا عن هذه "الفرنسا" وهذا اليتيم الأوربي.
لان مع جنيه يصبح الوطن مضادا.
لان جنيه في مسرحية "الخادمات" يجعل من السجن والمقبرة والبحر, ومن بيت الحاكم الظالم, فضاء مسرحيا واحد تمتزج فيه القساوة والصمت والصخب والسخرية. ويصير العالم في مسرحيته جدرانا وفسحة لا نهائية وموتا يسرح في البعيد والاغتراب الوجودي الكبير.
لان جنيه ظل مرتبطا بسجناء العالم وموتاه, بسجناء فلسطين وجنوب إفريقيا وضحايا الوجود والتسلط الغربي, وظل متعلقا بكل الذين غرقوا أو ضلوا السبيل فيك أيها المحيط العربي أللامتناهي.
حياة جان جينيه وأسطورته
تحولت حياة جان جينيه إلى ظاهرة اجتماعية ونوع من الخرافة أو الأسطورة, وخاصة في فرنسا في الأربعينيات والخمسينيات والستينيات من القرن العشرين. والمصادر الأساسية للمعلومات التي نشأت وتطورت في هذه الأسطورة هي سيرة جينيه الذاتية " يوميات لص " ورواياته الأربع "سيدتنا ذات الإزهار", "معجزة الزهرة", "طقوس الجنازة" التي يقدم فيها نفسه راويا. وكذلك بياناته الأخيرة الشفوية والتحريرية التي أرسلها إلى الكتاب والأصدقاء مثل جان كوكتو، وجان بول سارتر، وسيمون دي بوفوار، وفيوليت ليدو. والكتاب "القديس جينيه، الممثل والشهيد" التي كتبه بول سارتر, وهو كتاب تذكاري تجاوز 600 صفحة, حاول فيه سارتر أن يزودنا بوعي أنطولوجي وتحليلات سايكولوجية عن جينيه ترتكز على شواهد كتاباته وهي دراسة شاملة وواضحة للغاية, حيث لا تتواصل للمحافظة على أسطورة جينيه حية فحسب، لكن لها تأثيرا في الصورة الذاتية وأعماله اللاحقة.
ولد جينيه عام 1910, في باريس لأبوين لم يعرفهما, وحمل لقب أمه غابريلا جينيه التي تخلت عنه عند ولادته. وأصبح تحت وصاية قسم المساعدات العامة. ولعله امضي معظم طفولته في ميتم أو معهد خاص. ولا يعرف شيئا عنه في سنواته الست الأولى, حيث كان طفلا رقيقا يميل إلى التأمل والتطلعات الصارمة, ولكن سرعان ما شرع جينيه بسرقة الطعام والنقود, وتوجه تدريجيا إلى ممارسة الشر والجريمة وان سرقاته المتكررة زادت من انحرافه. وبين سنوات 1933-1942عاش جينيه حياة الفقر والتشرد، متنقلا في عدة بلدان أوربية وامضي مددا متكررة في السجن, حيث ألقت به مغامراته إلى الإجرام, فمارس السرقة وباع نفسه من اجل البقاء وامتلأت حياته بالإحداث وتجارب السجن وأخذت تلقي بظلالها عليه. كما بدا الكتابة وأنتج معظم إعماله في زنزانة السجن. وفي سنة 1948 حكم عليه بالسجن مدى الحياة لأنه اقترف عدة جرائم سرقة ولعدم أمكان أصلاحه, ولكن بتدخل من صحيفة "النضال" ومجموعة من الكتاب يقودهم كوكتو وسارتر منح العفو الرئاسي. وبعد إطلاق سراحه من السجن قرر جينيه التخلي عن الجريمة تماما.
لقد كتب جينيه معظم إعماله الشعرية والنثرية والمسرحية بين 1944-1956, مسرحية "الخادمات" (1947), قصيدة "مراة ادم", السيرة الذاتية "يوميات لص", مسرحية "جرس الموت" (1948), مسرحية "الشرفة" و "الزنوج" (1956)، ومسرحية "الساتر" (1958).
يبدو إن جينيه فقد اهتمامه بالأدب وتوقف عن الكتابة للمسرح, ومنذ الستينيات عاش مرتاحا من عائدات كتبه وتمثيل مسرحياته، ولكنه كان دائما يرفض الاستقرار, فقد كان لديه رغبة في التنقل حول العالم بحقيبة صغيرة. وفي هذه الفترة أصبح عمله والتزامه السياسي أكثر وضوحا وصراحة وتبنى الموقف الراديكالي القريب من الماركسية, وتعاون مع "النمور السود" وتحدث باسم السود في كل مكان ضد العنصرية البيضاء, ثم انتقل الى القضية الفلسطينية وصار جنديا مناصرا لها. وبعد ذلك، أصبح مع الثوار الألمان الذين يكونون " الجيش الأحمر".
المقالات الأخيرة
"الخادمات" تثير ضجة كبيرة حتى قبل عرضها
المسرحية تثير في هذه الأيام ضجة محلية إجتماعيه بمجرّد الإعلان عن موضوعها، كل ذلك قبل موعد عرضها ع...
قراءة المزيدألوان الفردوس وأولاد الجنة
ألوان الفردوس وأولاد الجنة في مهرجان تشرين المسرح2010 على مسرح النقاب
قراءة المزيدإطلاق اسم الكاتب "سلمان ناطور" على قاعة مسرح "النقاب" في قرية عسفيا
أطلق مسرح "النقاب" في قرية عسفيا اسم الكاتب سلمان ناطور على قاعة المسرح التي افتتحها يوم الجمعة ب...
قراءة المزيدالتساوي في العراء
شكراً لصالح عزام على الترجمة والإعداد والإخراج، ليوسف حبيش ولؤي خليفة على الموسيقى، لسيميون كولكو...
قراءة المزيد